إنطلاقاً من كون الحقوق الإنسانية للطّفل جزءاً من النظام العام لحقوق الإنسان، ولأنّ اتّفاقية حقوق الطّفل تجمع بين الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمدنيّة وضماناً للقدرات الذاتيّة للطّفل وإمكانيّاته، كان لا بدّ من تعزيز التّكامل بين حقوق الطّفل وحمايته من جميع أشكال العنف أو الضّرر أو الاساءة، عقليّةً كانت أم بدنيّةً، والإهمال والمعاملة المنطوية عليه وإساءة المعاملة أو الاستغلال احتراماً للقوانين ذات الصّلة بالطّفل.
وممّا لا شك فيه أنّ دور الجانب الإنساني لعمليّة التّربية والتّعليم يرتكز أولاً على العلاقات السّليمة بين المعلّم والمتعلّم من جهة، وبين المتعلّم والمحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه والذي يؤثر ويتأثر حكماً بالبيئة المدرسية من جهة أخرى. ولقد شكّلت المعوقات التي شابت تلك العلاقات والنّية الحقيقية النّابعة من عاداتنا وسلوكيّاتنا وممارستنا اليوميّة حافزاً لتطوير وإصدار سياسة حماية التّلميذ في البيئة المدرسية، لتصبح أمراً واقعاً وملموساً.
وبالرّغم من الأهمية التي تكتسبها هذه السياسة، إلا أنها ما زالت تستلزم العديد من الخطوات الاستباقية والمكمّلة في آن: فالوقاية بمستوييها الأول والثاني وفق ما هو مبيّن في هذه الوثيقة بحاجة إلى ترجمة حقيقيّة في إطار تشغيلي يتعدّى الإشارة إلى المعايير والشروط الواجب تحقيقها، مع الأخذ في الاعتبار عدم استفادة الأشخاص العاملين في القطاع التربوي حتى الآن من أيّة فرصة للتزوّد بالمعارف والمهارات اللازمة للتعامل مع المواقف العنفيّة، أوالتمييز بين الاعتداءات التي تحصل داخل المدرسة وخارجها، ودور المدرسة في مواجهتها، أو حتى التمرّس بالبدائل التّربوية للعنف ما يساهم في التخفيف من العديد من المشاكل التي يواجهونها على هذا الصعيد.
من هنا، تبدو الحاجة ملحّة إلى تطوير إجراءات داخلية خاصة بالمنشآت التّعليميّة الرّسمية والخاصّة على السّواء، والتي يجب أن تترافق مع مشاركة حقيقيّة من قبل التلامذة وأولياء الأمور حتى تصبح أكثر ملاءمة لظروف الواقع اللبناني دون إغفال الإطار القانوني والتنظيمي النّافذ، ما يضمن الالتزام بهذه السياسة وبأهدافها الاستراتيجية.
ولئن قامت وزارة التربية والتعليم العالي، بتطوير الإجراءات الخاصة بالتعامل مع حالات العنف في البيئة المدرسية، إلا أنها تنوي اختبار تلك الإجراءات وتعديلها في ضوء الدّروس المستفادة من نتائجها، وذلك قبل اعتمادها بصيغتها النهائية.
بموازاة كلّ ذلك، ثمّة اعتقاد سائد حول استمرار وجود بعض التمايز غير الظاهر بين الموقف التربويَ المهنيّ، وبين المحافظة على العلاقات البنّاءة مع المتعلّمين، لكنّني أجزم أنّ التربية ستكون بأفضل حال إذا ما تمّت الموازنة بين هذين الأمرين.
ولا بدّ لي في الختام من التنويه بدعم منظمة اليونيسف لوزارة التربية والتعليم العالي على إنجاز هذه السياسة وبالجهود المبذولة من أعضاء فريق إعداد هذه الوثيقة المكوّن من الدكتورة جميلة خوري، خبيرة حماية الطفل سام شريم ، واختصاصية حماية الطفل مادونا نادر، في إعداد هذه الوثيقة بالتنسيق والتعاون مع جهاز الإرشاد والتوجيه في الوزارة الذي تتقدّمه مديرة الإرشاد والتوجيه بالتكليف هيلدا الخوري، والمنسقة العامة لوحدة التوجيه التربوي صفاء الضيقة.
المدير العام للتربية
فادي يرق